Ads Columns

السبت، 12 سبتمبر 2015

قراءة وهوامش تفكيكية ل 4 شتنبر


هوامش تفكيكية لاقتراع 4 شتنبر

هوامش تفكيكية لاقتراع 4 شتنبر
فاز حزب العدالة والتنمية، نجح في تحقيق" المعجزة "، وظفر بمليون صوت ونصف، فطار طائره، وارتفعت حُمَّاه، وخفق وجيب قلبه عاليا، واحمرت وجنتاه. فاز بمليون صوت وزيادة، فهل نال ثقة المغاربة وأصبح، منذ 4 شتنبر، ممثلا للمغرب والمغاربة؟، والحال أن الذين صوتوا يزيدون على ستة ملايين ناخب. أين ذهبت تلك الأصوات؟ ألم توزع على باقي غرمائه، ومنافسيه، وخصومه؟، ولِمَ لَمْ يتحدث وزير الداخلية عن الأوراق الملغاة وهي بعدد الحصى تكاد تضارع ماحصل عليه حزب العدالة كما لم يتحدث عن الأوراق التي حملت شتائم وكلام نابٍ في حق بعض المترشحين، وبعض الأحزاب.
يقولون: اكتسح حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي، المدن والحواضر، وهو كلام لاغبار عليه. بينما انزوى غريمه الأول، وخصمه اللدود: " الأصالة والمعاصرة" في القرى والبوادي والمداشر، ونال حصة الأسد فيها، فكيف تستقيم المعادلة؟، وكيف لعاقل ذي رأي وبصر، ومنطق، تفسيرهذه المفارقة : حزب مدني علماني ليبرالي يكتسح البادية والقرية، في حين يمسح حزب ديني ومحافظ المدن والحواضر الكبرى: فاس، مكناس، الرباط، القنيطرة، الدار البيضاء، أكادير، طنجة..الخ. بينما المنطق يقتضي أن يحدث العكس؟.
فما تفسير ذلك؟، تفسير ذلك عندي، ببساطة، أن الأعيان الكبار، وذوي الشأن المالي، والفلاحي، والزراعي العصري، باتوا يقيمون في القرى والبوادي يرعون ممتلكاتهم، وضيعاتهم، وحقولهم المترامية، ومنتوجهم الفلاحي المُدِّر بغير حسبان، ومع احتساب النساء والرجال الذين يعملون تحت إمرتهم ورحمتهم، وهم كتلة وقوة انتخابية يُبَوْصِلُها الإقطاع " الجديد " أنى شاء، وحيث أراد. وأن ساكنة المدن التي تتكون أساسا من الإداريين والموظفين في مختلف القطاعات، والمجالات، والمؤسسات العمومية والخاصة، بين الأستاذ والمعلم، والمحامي، والمهندس، والصيدلاني، والطبيب، والمقاول ، إناثا وذكورا، أي مايطلق عليهم ب" الطبقة الوسطى " القوية والحاسمة، تنطبع بطابع المحافظة والتقليد، وتربية القيم الموروثة، واستهلاك الخطاب الديني أيّاً كان مأتاه لأنه يُنَفِّسُ عنهم كربة الضيق الناجمة عن قلة ذات اليد، والغارقة في الديون البنكية، والأقساط المختلفة. من هنا، فالدين متنفس، و" الثقافة " في عمومها متوسطة، إذ لا يمكن أن نصف من كان مهندسا أو طبيبا، أو أستاذا، أو محاميا بالمثقف على وجه الإطلاق، ماعدا استثناءات قليلة. فالثقافة شأن آخر، الثقافة معركة مدنية، ورأي حر وصريح، وعقلانية، ونقد مستمر للأفكار والأفراد والمؤسسات.
وإذاً، فما بال الإخوان المسلمين ينجحون، ويكتسحون المدن المصرية؟ : القاهرة والأسكندرية، ويبسطون اليد على مؤسسة القضاة، والصيادلة، والأطباء، والمحامين، والنقابات المهنية المختلفة، بينما ينحشر المثقفون اليساريون والليبراليون المتنورون، بالمدن، ضمن مربعات ضيقة محدودة داخل أحزاب وطنية تاريخية وديموقراطية لا يفي عدد المنتسبين إليها بصنع شيء ذي خطورة في مسير ومسار مصر.
من هنا، فالمدن أصبحت، وهذه ظاهرة ثقافية وسوسيولوجية حديثة، وَكْراً للبرجوازية الصغيرة: الطبقة الانتهازية، والوصولية، والمتذبذبة كما نصت على ذلك الأدبيات الماركسية، ومهدا لظهور وتنامي وانتشار الفكر الأصولي المتطرف الذي تصدى ، خلال عقود، للفكر التنويري، بالدجل الذي يتقنه، والتكفير، ورمي المثقفين المصريين الكباربالزندقة والإلحاد، واتهامهم بموالاة الأقباط المصريين، كأن الأقباط ليسوا هم سكان مصر الأول، وإخوة للعرب المسلمين الذين قاسموهم، منذ "الفتوحات" الإسلامية، الدار والأرض، والسماء، والخبز والماء.
هي إشارة ـ لابد منها ـ حتى لانستغرب ماحدث في 4 شتنبرداخل المدن الكبرى التي كانت حكرا على الهيئات السياسية التقدمية الديموقراطية، والهيئات التقليدية البرجوازية الوطنية. إذ دائما ما نصل متأخرين ( لأسباب تاريخية وسياسية )، من حيث الثقافة والحضارة والمدنية، بالقياس إلى مصر والشام، وبالقياس إلى الغرب وأمريكا، وهذه حقيقة لامراء فيها، يستوي في ذلك الأدب بكل أنواعه، وأجناسه، والفنون القولية والبصرية، والغنائية في جملتها وتفصيلها.
فالإخوان سابقون، وتلامذتهم هنا لحقوا بهم، بعد شحذ الهمم، واهتبال الزمن والظرف التاريخي المُواتي: "الربيع العربي"، وتصليب عود التنظيم في طول البلاد وعرضها، بالحضورالحي، والحضور المعنوي والمادي ورقيا وإلكترونيا، والتزاما وانضباطا وخضوعا حتى يتحقق المبتغى البعيد ، وقد تحقق القريب، وتتبلور الغايات والمرامي التي سطرها البناة الأوائل، بدءا من السبعينات، الذين أوصوا مريديهم بالتريث، والاعتصام بحبل الله والصبر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويُمَكِّنهم في الأرض خلفاء..أمراء لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.
وآية ذلك: التزويج الجماعي ، والختان الجماعي، والصلاة الجماعية ، والأوراد، والمولديات الجماعية، وعيادة المرضى والمعطوبين الجماعية، وحمل " القصاع " السِّمان..قصاع " الكسكس" الجماعي للمساجد، والجوامع، والمشافي، والمراكز الصحية، وتجنيد الأذرع الموازية للحزب: " شبيبة التجديد"، و" منتدى الكرامة"، و" زهور النسائية"، و" حركة التوحيد والإصلاح" ذراعه الدعوي، والنقابات المهنية والحقوقية، وليس آخرها: " النقابة المغربية للتعليم العالي". ثم انخراط جيش من رجال التعليم الطامعين في الاستفادة من انتقال، أو تفرغ، أو ترقية إدارية. فضلا عن استغلال وسائل الدولة اللوجستيكية، والخطابات الشعبوية التعبوية، وتمثيل دور المذلة والمسكنة، والمظلومية، والطهر والعفاف، والنقاء في " الباطن والظاهر".
فوز حزب العدالة في الاستحقاق المحلي والجهوي بالمدن خاصة، مرده إلى عزوف كبير من لدن الشباب، فسرته مقاطعة اليسار الجذري، وحركة 20 فبراير، ومفكرون، ومثقفون، وفنانون رجالا ونساء، وأساتذة نابهون. ومرده ثانيا إلى ماحدث من مشاكل تنظيمية، وشرخ توجهي، ونزاعات إيديو ـ تدبيرية لحزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر التاسع، والتي نجم عنها انفصال وجوه قيادية، ومرده ثالثا إلى ضعف المعارضة، وارتباك خطابها، وضمور تنسيقها، وسقوطها في الغوغائية، والملاسنة التي نجح بنكيران في جرها إليها، ومرده رابعا إلى عقلية المغربي الذي يؤمن ب: " تبادل لعتبة " كما نقول في منطقة شرقنا المغربي، بعد أن أعياه تسيير الاتحاد والاستقلال، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري في فترات سابقة ومتباعدة. لم يلحظ شيئا ملموسا يشبع انتظاراته اليومية، وحاجاته الملحة حيث يقيم..أي في المدن التي كانت حكرا على الصف الديموقراطي، والإداري بعده، والتي سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد حزب العدالة والتنمية، كما تسقط قطع " الليغو " بين يدي طفل عابث يبني ويهدم وسط كركراته، وضحكاته الملائكية.
ثم كانت سقطة سياسية " مميتة " تلك التي تتمثل في رفع شكوى برئيس الحكومة إلى الملك، من لدن أمناء أحزاب المعارضة، نشدانا للإنصاف ؟ إذ عملت الشكوى إياها على رفع منسوب شعبية رئيس الحكومة، ووجهت ـ في الآن عينه ـ ضربة موجعة وقاصمة لصدقية الأحزاب " المظلومة ".
ولسائل أن يسأل حائرا ..محتارا، وعلامات التعجب والاستفهام ترتسم على وجهه، وتأكل عينيه، وما تبقى من عقله وفكره وتحليله:
ــ لماذا استمر بنكيران يراكم النجاحات مقهقها، يَكِلُ التهم، والكلام الرخيص المنفلت لأمناء الأحزاب المعارضة، مع العلم أنه أخفق في قطاعات حيوية كثيرة، لم يُظْهِرْ فيها بصْمَتَهُ، ولا رأيه، ولا موقفه، كالتعليم، والصحة العمومية، والأمية، والبحث العلمي ؟.
ــ لماذا حصد الأصوات في جهات المغرب، بينما قدرة المواطن العادي والمتوسط الشرائية، والاستهلاكية متدهورة، تقوم ، بالكاد، وهي مترنحة على ساق الديون، والأقساط البنكية؟.
ــ وكيف حصد ذلك، وهو لم َيفِ بوعود شتى، من بينها: رصد مدخول شهري ـ على هزالته ـ للأرامل، والقطع مع ماضي الموظفين الأشباح في أغلب القطاعات الوظيفية، والإدارية، والخدماتية، والمؤسسات، والحسم في صندوق المقاصة بصفة نهائية، ومشكل التقاعد المؤرق الذي يتخذه " فزاعة " بين شَدِّهِ وجذب النقابات المختلفة ؟.
ــ وكيف نجح في حصد المليون صوت ويزيد، والنقابات المركزية ذات التمثيلية العمالية الواسعة:، تقاطع العيد العمالي: فاتح ماي لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل الحديث ؟ لماذا لم يترتب عن ذلك تداعيات ضد الحكومة تظهر في الاستحقاق الذي جرى ؟.
ــ وما قولنا في الذي يقول مفاخرا بأنه لم يساند أبدا حركة 20 فبراير، والذي هدد أكثر من مرة بالنزول إلى الشارع العام كأي مسلوب حق وضائع ؟ والحال أنه الرجل الثاني في البلاد، مطوق بمسؤولية جسيمة من لدن الناخبين، وأمام الملك، والرأي العام الوطني والدولي ؟.
ــ وكيف نفهم عجزه التام عن إصلاحات لوح بها من خلال وزرائه، على مستوى الإعلام السمعي ـ البصري، وانتهاك الحريات الشخصية، والمدنية في ولايته، وهو يرى ويسمع، من دون أن يبدي لا حركة ولا نأمة ؟.
ــ ولماذا لم يكن في الموعد مع نكبات وكوارث عاشها الوطن، بل ظل بعيدا بمنأى عما يجري كأنه غير مسؤول عما يجري: ( الضرب المبرح للمعطلين والمعطلات، وملاحقتهم في شوارع الرباط ، وبعض المدن الأخرى ـ الفيضانات التي اجتاحت الجنوب مخلفة أعدادا معتبرة من الموتى والحطام، وسوَّت جسورا وقناطر، ودورا وبنايات، ومعالم، وقصبات تاريخية، بالأرض، فإذا هي أثر بعد عين ـ واحتراق حافلة بكامل أطفالها الأربعين، وسقوط منازل فوق رؤوس ساكنيها في البيضاء وفاس وغيرهما؟.
ــ وماذا عن اندفاعاته في مستهل ولايته، واندفاعات أعضاء حزبه الوزراء، عن استعدادهم الذي لا رجعة فيه من أجل اجتثات رموز، وأوكار الفساد في البلاد، والتي ـ كما يقولون ـ عجزت حكومتا اليوسفي والفاسي عن اقتلاعها، والزج بالمفسدين والفاسدين في السجون بعد أن يقول القضاء كلمته فيهم.؟ .
ـ زد على هذا وغير هذا، أقوال وزراء منفلتة حول التعليم الجامعي والبحث العلمي، كتبخيس مواصلة التعليم الجامعي والمزايدة فيه، متناسين أنه حق من حقوق الإنسان لكافة المواطنين على اختلاف أعمالهم، ووظائفهم، وأعمارهم ، والنيل من العلوم الإنسانية والآداب التي لامناص منها من أجل تكوين إنسان مكتمل، وبناء شخص يفكر ويحلل، ويركب ؟.
ــ وأخيرا، وليس آخرا، التراجع عن ربط التكوين بالتوظيف فيما يتعلق بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. فبدءا من الدخول المدرسي الحالي، سيكون على الأساتذة المتدربين ـ بعد نهاية السنة ـ البحث عن " متعهد " تعليم، أو صاحب مدرسة خاصة، ليضمنوا لقمة عيش، وليقدموا بين يدي المتمدرسين، العدة المُدَرَّسة ، وخلاصات " ديداكتيك" المادة، وعصارة " التكوين الأساس ".
وعلاوة على الفطام التعسفي هذا الذي اقتضاه تدبير حكومي تحت إمرة بنكيران الرئيس، سيتقاضى المتدربون والمتدربات نصف ماتقضاه زملاؤهم الذين فتح لهم طائرهم الميمون، الطريق والفرصة السانحة، ليستفيدوا في " غفلة " من الحكومة، من منحة شهرية كاملة، ومن توظيف مستحق بعد سنة تكوينية قضوها بين المراكز، والمؤسسات المستقبلة حيث كانوا يترجمون ، ميدانيا، وعلى رؤوس الأشهاد ماتلقوه في المراكز التكوينية.
ـ أما المديونية الخارجية فحدث ولا حرج، وإملاءات البنك والصندوق الدوليين، معروفة لدى الجميع، والتراجع على مستوى سلم التأشيرات التنموية في التعليم والصحة، وحقوق المرأة، والعيش الكريم، وحرية الصحافة والرأي والضمير، والأمية المرتفعة المخجلة..، كل ذلك وغيره، يطيح بكل كلام عن التنمية الشاملة التي حققها المغرب في ظل هذه الحكومة. فواقع الحال، والأرقام ، والمعطيات المادية الملموسة، فصيحة وبليغة، تكذب كل خطاب، وادعاء متلفز يستهدف الضجيج، والاستهلاك الإعلامي ليس غير.
أبعد هذا ؟ هل من عاقل حصيف يشرح لي كيف أمكن للأستاذ بنكيران وصحبه، حَصْدَ هذه الأصوات، ماجعله يتطاوس متغطرسا بأنه ربح المغرب، والحال أن المغرب الذي ربحه، مغرب منكمش جدا ، تعداده مليون ونصف، بينما المغرب ، بالحروف الملكية الفخمة، قوامه 36 مليون نسمة أو يزيد ؟
المصدر هسبريس

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افلام

مسلسلات

ملحقات فوتوشوب

صور متنوعة

عن القالب

السبت، 12 سبتمبر 2015

قراءة وهوامش تفكيكية ل 4 شتنبر


هوامش تفكيكية لاقتراع 4 شتنبر

هوامش تفكيكية لاقتراع 4 شتنبر
فاز حزب العدالة والتنمية، نجح في تحقيق" المعجزة "، وظفر بمليون صوت ونصف، فطار طائره، وارتفعت حُمَّاه، وخفق وجيب قلبه عاليا، واحمرت وجنتاه. فاز بمليون صوت وزيادة، فهل نال ثقة المغاربة وأصبح، منذ 4 شتنبر، ممثلا للمغرب والمغاربة؟، والحال أن الذين صوتوا يزيدون على ستة ملايين ناخب. أين ذهبت تلك الأصوات؟ ألم توزع على باقي غرمائه، ومنافسيه، وخصومه؟، ولِمَ لَمْ يتحدث وزير الداخلية عن الأوراق الملغاة وهي بعدد الحصى تكاد تضارع ماحصل عليه حزب العدالة كما لم يتحدث عن الأوراق التي حملت شتائم وكلام نابٍ في حق بعض المترشحين، وبعض الأحزاب.
يقولون: اكتسح حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي، المدن والحواضر، وهو كلام لاغبار عليه. بينما انزوى غريمه الأول، وخصمه اللدود: " الأصالة والمعاصرة" في القرى والبوادي والمداشر، ونال حصة الأسد فيها، فكيف تستقيم المعادلة؟، وكيف لعاقل ذي رأي وبصر، ومنطق، تفسيرهذه المفارقة : حزب مدني علماني ليبرالي يكتسح البادية والقرية، في حين يمسح حزب ديني ومحافظ المدن والحواضر الكبرى: فاس، مكناس، الرباط، القنيطرة، الدار البيضاء، أكادير، طنجة..الخ. بينما المنطق يقتضي أن يحدث العكس؟.
فما تفسير ذلك؟، تفسير ذلك عندي، ببساطة، أن الأعيان الكبار، وذوي الشأن المالي، والفلاحي، والزراعي العصري، باتوا يقيمون في القرى والبوادي يرعون ممتلكاتهم، وضيعاتهم، وحقولهم المترامية، ومنتوجهم الفلاحي المُدِّر بغير حسبان، ومع احتساب النساء والرجال الذين يعملون تحت إمرتهم ورحمتهم، وهم كتلة وقوة انتخابية يُبَوْصِلُها الإقطاع " الجديد " أنى شاء، وحيث أراد. وأن ساكنة المدن التي تتكون أساسا من الإداريين والموظفين في مختلف القطاعات، والمجالات، والمؤسسات العمومية والخاصة، بين الأستاذ والمعلم، والمحامي، والمهندس، والصيدلاني، والطبيب، والمقاول ، إناثا وذكورا، أي مايطلق عليهم ب" الطبقة الوسطى " القوية والحاسمة، تنطبع بطابع المحافظة والتقليد، وتربية القيم الموروثة، واستهلاك الخطاب الديني أيّاً كان مأتاه لأنه يُنَفِّسُ عنهم كربة الضيق الناجمة عن قلة ذات اليد، والغارقة في الديون البنكية، والأقساط المختلفة. من هنا، فالدين متنفس، و" الثقافة " في عمومها متوسطة، إذ لا يمكن أن نصف من كان مهندسا أو طبيبا، أو أستاذا، أو محاميا بالمثقف على وجه الإطلاق، ماعدا استثناءات قليلة. فالثقافة شأن آخر، الثقافة معركة مدنية، ورأي حر وصريح، وعقلانية، ونقد مستمر للأفكار والأفراد والمؤسسات.
وإذاً، فما بال الإخوان المسلمين ينجحون، ويكتسحون المدن المصرية؟ : القاهرة والأسكندرية، ويبسطون اليد على مؤسسة القضاة، والصيادلة، والأطباء، والمحامين، والنقابات المهنية المختلفة، بينما ينحشر المثقفون اليساريون والليبراليون المتنورون، بالمدن، ضمن مربعات ضيقة محدودة داخل أحزاب وطنية تاريخية وديموقراطية لا يفي عدد المنتسبين إليها بصنع شيء ذي خطورة في مسير ومسار مصر.
من هنا، فالمدن أصبحت، وهذه ظاهرة ثقافية وسوسيولوجية حديثة، وَكْراً للبرجوازية الصغيرة: الطبقة الانتهازية، والوصولية، والمتذبذبة كما نصت على ذلك الأدبيات الماركسية، ومهدا لظهور وتنامي وانتشار الفكر الأصولي المتطرف الذي تصدى ، خلال عقود، للفكر التنويري، بالدجل الذي يتقنه، والتكفير، ورمي المثقفين المصريين الكباربالزندقة والإلحاد، واتهامهم بموالاة الأقباط المصريين، كأن الأقباط ليسوا هم سكان مصر الأول، وإخوة للعرب المسلمين الذين قاسموهم، منذ "الفتوحات" الإسلامية، الدار والأرض، والسماء، والخبز والماء.
هي إشارة ـ لابد منها ـ حتى لانستغرب ماحدث في 4 شتنبرداخل المدن الكبرى التي كانت حكرا على الهيئات السياسية التقدمية الديموقراطية، والهيئات التقليدية البرجوازية الوطنية. إذ دائما ما نصل متأخرين ( لأسباب تاريخية وسياسية )، من حيث الثقافة والحضارة والمدنية، بالقياس إلى مصر والشام، وبالقياس إلى الغرب وأمريكا، وهذه حقيقة لامراء فيها، يستوي في ذلك الأدب بكل أنواعه، وأجناسه، والفنون القولية والبصرية، والغنائية في جملتها وتفصيلها.
فالإخوان سابقون، وتلامذتهم هنا لحقوا بهم، بعد شحذ الهمم، واهتبال الزمن والظرف التاريخي المُواتي: "الربيع العربي"، وتصليب عود التنظيم في طول البلاد وعرضها، بالحضورالحي، والحضور المعنوي والمادي ورقيا وإلكترونيا، والتزاما وانضباطا وخضوعا حتى يتحقق المبتغى البعيد ، وقد تحقق القريب، وتتبلور الغايات والمرامي التي سطرها البناة الأوائل، بدءا من السبعينات، الذين أوصوا مريديهم بالتريث، والاعتصام بحبل الله والصبر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويُمَكِّنهم في الأرض خلفاء..أمراء لاخوف عليهم ولاهم يحزنون.
وآية ذلك: التزويج الجماعي ، والختان الجماعي، والصلاة الجماعية ، والأوراد، والمولديات الجماعية، وعيادة المرضى والمعطوبين الجماعية، وحمل " القصاع " السِّمان..قصاع " الكسكس" الجماعي للمساجد، والجوامع، والمشافي، والمراكز الصحية، وتجنيد الأذرع الموازية للحزب: " شبيبة التجديد"، و" منتدى الكرامة"، و" زهور النسائية"، و" حركة التوحيد والإصلاح" ذراعه الدعوي، والنقابات المهنية والحقوقية، وليس آخرها: " النقابة المغربية للتعليم العالي". ثم انخراط جيش من رجال التعليم الطامعين في الاستفادة من انتقال، أو تفرغ، أو ترقية إدارية. فضلا عن استغلال وسائل الدولة اللوجستيكية، والخطابات الشعبوية التعبوية، وتمثيل دور المذلة والمسكنة، والمظلومية، والطهر والعفاف، والنقاء في " الباطن والظاهر".
فوز حزب العدالة في الاستحقاق المحلي والجهوي بالمدن خاصة، مرده إلى عزوف كبير من لدن الشباب، فسرته مقاطعة اليسار الجذري، وحركة 20 فبراير، ومفكرون، ومثقفون، وفنانون رجالا ونساء، وأساتذة نابهون. ومرده ثانيا إلى ماحدث من مشاكل تنظيمية، وشرخ توجهي، ونزاعات إيديو ـ تدبيرية لحزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر التاسع، والتي نجم عنها انفصال وجوه قيادية، ومرده ثالثا إلى ضعف المعارضة، وارتباك خطابها، وضمور تنسيقها، وسقوطها في الغوغائية، والملاسنة التي نجح بنكيران في جرها إليها، ومرده رابعا إلى عقلية المغربي الذي يؤمن ب: " تبادل لعتبة " كما نقول في منطقة شرقنا المغربي، بعد أن أعياه تسيير الاتحاد والاستقلال، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري في فترات سابقة ومتباعدة. لم يلحظ شيئا ملموسا يشبع انتظاراته اليومية، وحاجاته الملحة حيث يقيم..أي في المدن التي كانت حكرا على الصف الديموقراطي، والإداري بعده، والتي سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد حزب العدالة والتنمية، كما تسقط قطع " الليغو " بين يدي طفل عابث يبني ويهدم وسط كركراته، وضحكاته الملائكية.
ثم كانت سقطة سياسية " مميتة " تلك التي تتمثل في رفع شكوى برئيس الحكومة إلى الملك، من لدن أمناء أحزاب المعارضة، نشدانا للإنصاف ؟ إذ عملت الشكوى إياها على رفع منسوب شعبية رئيس الحكومة، ووجهت ـ في الآن عينه ـ ضربة موجعة وقاصمة لصدقية الأحزاب " المظلومة ".
ولسائل أن يسأل حائرا ..محتارا، وعلامات التعجب والاستفهام ترتسم على وجهه، وتأكل عينيه، وما تبقى من عقله وفكره وتحليله:
ــ لماذا استمر بنكيران يراكم النجاحات مقهقها، يَكِلُ التهم، والكلام الرخيص المنفلت لأمناء الأحزاب المعارضة، مع العلم أنه أخفق في قطاعات حيوية كثيرة، لم يُظْهِرْ فيها بصْمَتَهُ، ولا رأيه، ولا موقفه، كالتعليم، والصحة العمومية، والأمية، والبحث العلمي ؟.
ــ لماذا حصد الأصوات في جهات المغرب، بينما قدرة المواطن العادي والمتوسط الشرائية، والاستهلاكية متدهورة، تقوم ، بالكاد، وهي مترنحة على ساق الديون، والأقساط البنكية؟.
ــ وكيف حصد ذلك، وهو لم َيفِ بوعود شتى، من بينها: رصد مدخول شهري ـ على هزالته ـ للأرامل، والقطع مع ماضي الموظفين الأشباح في أغلب القطاعات الوظيفية، والإدارية، والخدماتية، والمؤسسات، والحسم في صندوق المقاصة بصفة نهائية، ومشكل التقاعد المؤرق الذي يتخذه " فزاعة " بين شَدِّهِ وجذب النقابات المختلفة ؟.
ــ وكيف نجح في حصد المليون صوت ويزيد، والنقابات المركزية ذات التمثيلية العمالية الواسعة:، تقاطع العيد العمالي: فاتح ماي لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل الحديث ؟ لماذا لم يترتب عن ذلك تداعيات ضد الحكومة تظهر في الاستحقاق الذي جرى ؟.
ــ وما قولنا في الذي يقول مفاخرا بأنه لم يساند أبدا حركة 20 فبراير، والذي هدد أكثر من مرة بالنزول إلى الشارع العام كأي مسلوب حق وضائع ؟ والحال أنه الرجل الثاني في البلاد، مطوق بمسؤولية جسيمة من لدن الناخبين، وأمام الملك، والرأي العام الوطني والدولي ؟.
ــ وكيف نفهم عجزه التام عن إصلاحات لوح بها من خلال وزرائه، على مستوى الإعلام السمعي ـ البصري، وانتهاك الحريات الشخصية، والمدنية في ولايته، وهو يرى ويسمع، من دون أن يبدي لا حركة ولا نأمة ؟.
ــ ولماذا لم يكن في الموعد مع نكبات وكوارث عاشها الوطن، بل ظل بعيدا بمنأى عما يجري كأنه غير مسؤول عما يجري: ( الضرب المبرح للمعطلين والمعطلات، وملاحقتهم في شوارع الرباط ، وبعض المدن الأخرى ـ الفيضانات التي اجتاحت الجنوب مخلفة أعدادا معتبرة من الموتى والحطام، وسوَّت جسورا وقناطر، ودورا وبنايات، ومعالم، وقصبات تاريخية، بالأرض، فإذا هي أثر بعد عين ـ واحتراق حافلة بكامل أطفالها الأربعين، وسقوط منازل فوق رؤوس ساكنيها في البيضاء وفاس وغيرهما؟.
ــ وماذا عن اندفاعاته في مستهل ولايته، واندفاعات أعضاء حزبه الوزراء، عن استعدادهم الذي لا رجعة فيه من أجل اجتثات رموز، وأوكار الفساد في البلاد، والتي ـ كما يقولون ـ عجزت حكومتا اليوسفي والفاسي عن اقتلاعها، والزج بالمفسدين والفاسدين في السجون بعد أن يقول القضاء كلمته فيهم.؟ .
ـ زد على هذا وغير هذا، أقوال وزراء منفلتة حول التعليم الجامعي والبحث العلمي، كتبخيس مواصلة التعليم الجامعي والمزايدة فيه، متناسين أنه حق من حقوق الإنسان لكافة المواطنين على اختلاف أعمالهم، ووظائفهم، وأعمارهم ، والنيل من العلوم الإنسانية والآداب التي لامناص منها من أجل تكوين إنسان مكتمل، وبناء شخص يفكر ويحلل، ويركب ؟.
ــ وأخيرا، وليس آخرا، التراجع عن ربط التكوين بالتوظيف فيما يتعلق بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. فبدءا من الدخول المدرسي الحالي، سيكون على الأساتذة المتدربين ـ بعد نهاية السنة ـ البحث عن " متعهد " تعليم، أو صاحب مدرسة خاصة، ليضمنوا لقمة عيش، وليقدموا بين يدي المتمدرسين، العدة المُدَرَّسة ، وخلاصات " ديداكتيك" المادة، وعصارة " التكوين الأساس ".
وعلاوة على الفطام التعسفي هذا الذي اقتضاه تدبير حكومي تحت إمرة بنكيران الرئيس، سيتقاضى المتدربون والمتدربات نصف ماتقضاه زملاؤهم الذين فتح لهم طائرهم الميمون، الطريق والفرصة السانحة، ليستفيدوا في " غفلة " من الحكومة، من منحة شهرية كاملة، ومن توظيف مستحق بعد سنة تكوينية قضوها بين المراكز، والمؤسسات المستقبلة حيث كانوا يترجمون ، ميدانيا، وعلى رؤوس الأشهاد ماتلقوه في المراكز التكوينية.
ـ أما المديونية الخارجية فحدث ولا حرج، وإملاءات البنك والصندوق الدوليين، معروفة لدى الجميع، والتراجع على مستوى سلم التأشيرات التنموية في التعليم والصحة، وحقوق المرأة، والعيش الكريم، وحرية الصحافة والرأي والضمير، والأمية المرتفعة المخجلة..، كل ذلك وغيره، يطيح بكل كلام عن التنمية الشاملة التي حققها المغرب في ظل هذه الحكومة. فواقع الحال، والأرقام ، والمعطيات المادية الملموسة، فصيحة وبليغة، تكذب كل خطاب، وادعاء متلفز يستهدف الضجيج، والاستهلاك الإعلامي ليس غير.
أبعد هذا ؟ هل من عاقل حصيف يشرح لي كيف أمكن للأستاذ بنكيران وصحبه، حَصْدَ هذه الأصوات، ماجعله يتطاوس متغطرسا بأنه ربح المغرب، والحال أن المغرب الذي ربحه، مغرب منكمش جدا ، تعداده مليون ونصف، بينما المغرب ، بالحروف الملكية الفخمة، قوامه 36 مليون نسمة أو يزيد ؟
المصدر هسبريس
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي

فيديوهات

سلايدر

حصريا بالموقع

Instagram

التسميات

أقسام المدونة :

Slider

أرشيف المدونة الإلكترونية

صفحتي Fb

انظموا الينا على الفايس بوك

ادعم مدونتك

شاهد أيضاً

تويتر

مواقيت الصلاة

إبحث هنا

المشاركات الشائعة

إخترناها لكم

تابعنا على

التعليقات